سلسلة مقالات
المسيح من المهد إلى اللحد
مقالات عقدية في عقيدة المسلم في عيسى بن مريم
المقال الثالث
من هنا تبدأ قصة الميلاد يوم ان نفخ جبريل في درع مريم أو في جيب درعها، من هنا تبدأ آية من آيات الله عز وجل،آية للعالمين.
تبدأ قصة الميلاد كما ذكرنا في هذه الآيات : ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا﴾ فالله -عز وجل – أمر جبريل روح
القدس أن ينفخ في كُم درعها فصارت النفخة في فرجها فحملت بالمسيح عليه السلام .
وهنا نوضح أمرا مهما جداً وهو : أن الله – عز وجل ـ مسبِّب الأسباب فهو الذي خلق الأسباب و خلق أثرها وقد يوجد السبب و يتخلف الأثر كمن تزوجت لكن ما قدَّر الله تعالى لها الحمل فهنا قد وُجد السبب ولكن تخلَّف الأثر فلا يلزم من وجود الأسباب وجود الأثر فالنار تحرق ولكنها لم تحرق إبراهيم عليه السلام ﴿ قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾
وقد يوجد الأثر بلا سبب ففي قصة المسيح كما قال تعالى(و لنجعله آية للناس)قد خُلق من أم بلا أب.
ونقول : ألم يُخلق آدم عليه السلام من غير أبوين ؟ ألم تُخلق حواء بلا أم ؟ فأيهما أعجب خلق آدم وحواء عليهما السلام أم خلق عيسى عليه السلام ؟!!
لذلك فيوسف النجار الذي قيل بأنه خطب مريم – عليها السلام – قبل أن تقع لها هذه الآية ؛ لما علم بحمل مريم وهو واثق في دينها وعفتها فما رماها بما رماها به بنو إسرائيل، بل كان رجلاً نقياً تقياً يخشى الله تعالى، ولكنه فقط
تعجب من ذلك فلما رأى حملها قال لها يوماً : يا مريم هل يكون زرع بدون بذر ؟ فقالت : نعم فمن خلق الزرع
الزرع الأول ثم قال فهل يكون شجر من غير ماء و لا مطر قالت نعم فمن خلق الشجر الأول ثم قال فهل يكون
ولد من غير ذكر ؟ فقالت نعم إن الله ــ تعالى – خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى قال لها : فما خبرك قالت له : إن الله بشرني بغلام .
قال تعالى ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ
اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ
سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ….) ﴾ (النساء/171)
فقوله تعالى ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ﴾ المعنى – كلمة الله تعالى أى أنه خُلق بكلمة من الله وهى كن فعيسى ليس هو كن لأن كن هي كلمة الله و كلام الله
غير مخلوق، بل عيسى قد خُلق بكلمة ” كن ” وإنما اختص عيسى-عليه السلام- بأنه كلمة الله لما ؟ لأنه خُلق من غير أب .
وفارق بين عيسى المخلوق البشري و بين ” كن “التي هي كلمة من الله تبارك وتعالى ،لذلك انظروا إلى قوله تعالى
: ( ألقاها إلى مريم ) و لم يقل : ألقاه ‘‘‘ فألقاها : هذه تعود إلى الكلمة ، فلو كان عيسى –عليه السلام- هو الكلمة بذاته لقال الله على عيسى : ألقاه إلى مريم و كلمته ألقاها لم يقل ألقاه
أما قوله تعالى : ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ وضحنا معنى “وكلمته”وأما معنى “وروح منه” : عند النصارى يقولون : أن المقصود بقوله تعالى عن عيسى أنه روح منه: أن عيسى من الله، بعض منه، فجعلوا “من” هنا تبعيضية .
فرداً على هذه الشبهة نقول : أن قوله ” روح منه “: هذه تسمى : من لابتداء الغاية، يَعْنِي: أَنَّ مَبْدَأَ الرُّوحِ الَّذِي وُلِدَ
بِهِ عِيسَى –عليه السلام- حَيًّا إنما جاءت مِنَ عند اللَّه تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خلقها.
فعيسي روح من عند الله خلقاً و إيجاداً .
قال ابن كثير : قوله تعالى (((فقوله في الآية والحديث: {وروح منه} كقوله {وسخر لكم ما في السماوات وما في
الأرض جميعا منه} فعيسي مخلوق من روح مخلوقة، وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله، في قوله: {هذه ناقة الله} [هود: 64] . وفي قوله: {وطهر بيتي للطائفين} .
وللحديث بقية إن شاء الله