سلسله “الأربعون العقديه سؤال وجواب”
✒مقتطفات من “الأربعون العقديه” :
١٣) السؤال الثالث عشر :
✒استدل منكرو الشفاعة كالمعتزلة وغيرهم بقوله تعالى: { فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } [المدثر:48] وبقوله تعالى: {واتقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ}[البقرة:48]:، فما الجواب عن ذلك ❓
✍الجواب :
🍃أن يقال : أنَّ حال من يستدل بهذه الآية على نفي الشفاعة كحال من يقول بحرمة الصلاة مستدلاً على ذلك بقول الله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ}[الماعون:4]،
🍃فاجتزاء النصوص من سياقاتها هو طريقة أهل البدع؛ فقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} إنما هو في نفي الشفاعة عن المشركين، وسياق الآيات يدل على ذلك،
🍃فقد قال –تعالى- قبلها:{ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)}[المدثر:46].
💦بل لنا أن نقول:
🟢إن هذه الآية دليل عليهم، فلما نفَى الله –تعالى- الشفاعة عن الكافرين دل ذلك على وجودها لِمن سِواهم، وإلا لَمَا كان في نفيها عنهم فائدةٌ.
📚قال الذهبي:
■قال الله في حق الكفار: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}[المدثر:48]، فمفهوم أنّ غير الكفار تنفعهم شفاعة الشافعين”.
📚وكذلك يقال في الجواب عن استدلالهم بقوله تعالى: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ}؛ فسياق الآيات يتناول نفي الشفاعة عن الكافرين الذين اتخذوا أنداداً مع الله -عز وجل-: قال تعالى: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100)}[الشعراء].
🔰 الرد على استدلالهم بقوله تعالى: {واتقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ}[البقرة:48]:
🔰استدلال المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر باطلٌ؛ وذلك لأن الشفاعةَ المنفية في الآية الشفاعةُ للكافرين، ويدل على ذلك وُجوهٌ:
1️⃣أولاً:
💢 إجماع المفسرين على أن المراد بالنَّفْس في قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً…} هي النفس الكافرة، لا كلُّ نفسٍ، فهي من العامّ الذي أُرِيدَ به الخاصُّ.
📚يقول القرطبي:
■”أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ…} الآية: النفس الكافرة، لا كل نفس” .( الجامع لأحكام القرآن (1/379))جامع البيان في تأويل القرآن (1/23).
📚ويقول الطبري:
■”قوله تعالى: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ…} الآية إنما هي لمن مات على كفره غيرَ تائب إلى الله -عز وجل-؛ فعلى هذا يكونُ من العامِّ الذي أُرِيدَ به الخاصُّ”. ((جامع البيان في تأويل القرآن (1/23)
2️⃣ثانياً:
💢أن السِّباق والسِّياق واللحاق من المقيِّدات والمرجِّحات، فالآية التي قبلَها، والآية التي بعدها إنما يوجَّه فيهما الخطاب إلى بني اسرائيل: فقد قال -تعالى- قبلها: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ…}، وقال بعدها: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ…}؛ فتعَّينَ بذلك أنهم هم المَعْنِيُّونَ بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ…}.
3️⃣ثالثاً:
📑أن الآية ليست دليلاً لمُنكِرِي الشفاعة ؛ لأنّ قوله تعالى: “يوماً” أخرجَه مُنكَّراً، ولا شكَّ أنّ في القيامة مَواطنَ، ويَومُها معدودٌ بخمسينَ ألفَ سَنةٍ، فبعض أوقاتها ليس زماناً للشفاعة، وبعضها هو الوقت الموعود، وفيه المقام المحمود لسيِّد البشر -عليه أفضل الصلاة والسلام-.
📑قد وردت آيٌ كثيرةٌ تُرشد إلى تعدُّد أيامها واختلاف أوقاتها، منها: قوله تعالى: {فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ}[المؤمنون:101] مع قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ}[الصافات:27]؛ فيتعيَّن حملُ الآيتين على يومين مختلفين متغايِرَيْنِ:▪ أحدهما محلٌّ للتساؤل، ▪والآخرُ ليس محلّاً له؛ وكذلك الشفاعة”. (الانتصاف فيما تضمَّنه الكشّاف (1/137)).
🔹 وصلى الله على النبي.🔹